في إحاطة مغلقة أمام مجلس الأمن الدولي بتاريخ 10 أكتوبر الجاري، أطلق المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، تحذيرًا غير مسبوق من “انحراف عسكري خطير” قد يشعل المنطقة بأكملها، إذا استمر الشلل الدبلوماسي في ملف الصحراء المغربية.
وتأتي هذه الإحاطة الحساسة في لحظة رمزية، تزامنًا مع الذكرى الخمسين لاندلاع النزاع، وقبيل انتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) في نهاية أكتوبر الجاري. دي ميستورا دعا إلى “قرارات جريئة” وبدء مرحلة جديدة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا قبل نهاية عام 2025، مؤكدًا أن “القضية لا يمكن أن تبقى مجمدة دون عواقب”.
وأكد المبعوث الأممي أن غياب الحوار المباشر يخلق بيئة خصبة لتوتر عسكري قد تكون له عواقب تتجاوز حدود المغرب العربي، في ظل سباق تسلح مقلق ، فقد ضاعفت الجزائر ميزانيتها الدفاعية إلى نحو 25 مليار دولار عام 2025، بينما خصص المغرب أكثر من 12 مليار دولار لقطاعه العسكري، في مؤشر على تصاعد التوترات الإستراتيجية بين البلدين.
وأشار دي ميستورا إلى أن خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 تحظى بإجماع دولي متزايد باعتبارها “حلاً واقعيًا وعمليًا”. فقد جددت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة دعمها لهذا الطرح كأساس لأي تسوية سياسية، بينما أبدت روسيا والصين استعدادًا لدعم مسار حوار جديد أكثر شمولًا.
في المقابل، لا تزال الجزائر، الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو، متمسكة بمطلب الاستفتاء لتقرير المصير. وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن بلاده “لن تتخلى عن الصحراء المغربية”، مشددًا على أن “القرار النهائي يجب أن يكون بيد الشعب الصحراوي”.
ودعا المبعوث الأممي جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات “مفتوحة وبناءة وشاملة” قبل نهاية عام 2025، منبهًا إلى أن “الوقت لم يعد في صالح أحد”. وشدد على ضرورة تجاوز المواقف التاريخية الجامدة، داعيًا المغرب إلى تطوير وتفصيل مقترح الحكم الذاتي، والجزائر إلى تشجيع جبهة البوليساريو على التركيز على المسار السياسي بدل المنطق العسكري.
وصف دي ميستورا موقف موريتانيا بأنه “محايد لكنه ليس غير مبالٍ”، مؤكدًا أن مشاركة نواكشوط ضرورية لنجاح أي عملية وساطة مقبلة، كما أشار إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في دعم هذا المسار، إلى جانب فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة وإسبانيا.
الرسالة التي وجهها دي ميستورا كانت واضحةنصف قرن من النزاع كافٍ استمرار الجمود الدبلوماسي لن يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات ودفع المنطقة نحو المجهول. أمام هذا الواقع، تبدو جولة المفاوضات المرتقبة نهاية 2025 فرصة تاريخية لإعادة إطلاق مسار سياسي حقيقي، قبل أن يتحول النزاع إلى صراع مفتوح.
إرسال تعليق