متابعة : سعيد بقلول
من عمقها الحضاري الضارب في التاريخ، ومن موقعها كعاصمة علمية وروحية للمملكة المغربية، حلّت مدينة فاس ضيفاً وفاعلاً أساسياً في أشغال القمة العالمية السادسة لشبكة المدن القوية، التي احتضنتها مدينة تورونتو الكندية، مؤكدة مرة أخرى أن المدن العريقة قادرة على تجديد أدوارها والاضطلاع بمسؤولياتها في مواجهة تحديات العصر.
وقد مثّل مدينة فاس في هذا المحفل الدولي الرفيع السيد عزيز اللبار، نائب رئيس مجلس جماعة فاس المكلف بالشراكة والتعاون الدولي، في قمة نظّمها معهد الحوار الاستراتيجي (ISD)، وعرفت مشاركة أزيد من 370 رئيس بلدية ومسؤولاً محلياً وخبيراً دولياً، يمثلون 116 مدينة من 46 دولة، خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 11 دجنبر 2025.
وشكّلت القمة منصة عالمية لتبادل التجارب والخبرات حول دور المدن في الوقاية من التطرف وخطاب الكراهية، وتعزيز التماسك المجتمعي، وبناء مجتمعات حضرية أكثر أمناً وشمولاً. وقد تميزت بجلسات رفيعة المستوى، افتُتحت بكلمات لكل من السيدة ساشا هافليتشيك، الرئيسة التنفيذية لمعهد ISD، والسيدة أوليفيا تشاو، عمدة مدينة تورونتو، فيما أشرف السيد إريك روزاند، المدير التنفيذي لشبكة المدن القوية، على فعاليات اليوم الأول.
وفي كلمة وازنة، أكد السيد عزيز اللبار أن مشاركة مدينة فاس تندرج في صلب التزام المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتعزيز أدوار الجماعات الترابية في الوقاية من التطرف والاستقطاب، عبر مقاربات تشاركية وحلول مستدامة ترتكز على الحكامة الجيدة وإشراك مختلف الفاعلين المحليين.
وشدّد السيد اللبار على أن إشراك الشباب لم يعد خياراً ظرفياً، بل ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات قوية وقادرة على الصمود، مبرزاً أهمية آليات مبتكرة من قبيل المجالس الشبابية، والموازنة التشاركية، وتقييمات السلامة المجتمعية، والابتكار الرقمي بقيادة الشباب، باعتبارها أدوات فعالة لاستثمار طاقات الشباب وتعزيز انخراطهم في الشأن العام.
وفي هذا السياق، جدّدت مدينة فاس التزامها الراسخ بجعل الشباب في صلب الفعل العمومي المحلي، من خلال إرساء آليات تمثيلية حقيقية، وتفعيل الموازنة التشاركية، وإشراك الشباب في تشخيص التحديات المجتمعية، وتشجيع الابتكار الرقمي الهادف إلى ترسيخ السلم والتماسك الاجتماعي.
وتفخر فاس بتجربتها الرائدة في التعاون مع شبكة المدن القوية، والتي تُوّجت بإحداث مجلس شباب مدينة فاس كفضاء للتفكير المشترك وبناء القدرات، وإطلاق مبادرات شبابية رائدة في مجالات الوقاية، والوعي المدني، وتعزيز قيم الانتماء والمسؤولية.

وشهدت القمة مشاركة وازنة للوفد المغربي في عدد من الجلسات النقاشية حول تدبير الشأن المحلي، وإدارة الأزمات، والحكامة الحضرية المستدامة، حيث تم تسليط الضوء على تجربة مدينة فاس كنموذج للتنمية الحضرية المتوازنة التي تجعل المواطن محور السياسات العمومية المحلية، انسجاماً مع الرؤية الملكية لبناء مدن مغربية مرنة وشاملة.
وعلى هامش القمة، أجرى نائب رئيس جماعة فاس سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عمداء مدن وممثلي منظمات دولية، بهدف تعزيز التعاون اللامركزي وتبادل الخبرات في مجالات التدبير المحلي، والتنمية المستدامة، والابتكار الاجتماعي، بما يرسّخ إشعاع فاس كعاصمة علمية وثقافية للمملكة.

وأكد السيد عزيز اللبار، في ختام مشاركته، أن مدينة فاس، بما تحمله من عمق حضاري وإنساني، ستظل أرضاً للحوار والتسامح والتعايش، ومنفتحة على مختلف الثقافات والحضارات، مشدداً على أن الاستثمار في الشباب هو الرهان الحقيقي لبناء مدن قوية قادرة على مواجهة تحديات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل.
وخلال القمة، صادقت عمدة تورونتو، إلى جانب عمدتي الرباط ولاهاي بصفتهما الرئيسين المشاركين لشبكة المدن القوية، على إعلان تورونتو، الذي يجسد التزام القادة المحليين بالدفاع عن الديمقراطية، ومناهضة خطاب الكراهية والتحرش الذي يستهدف المسؤولين العموميين، وضمان الكرامة والإدماج لجميع المواطنين.
هكذا، أكدت فاس من جديد أن المدن العريقة لا تعيش على أمجاد الماضي فقط، بل تصنع المستقبل بثقة، وحكمة، وانفتاح على العالم.











إرسال تعليق