بقلم: أحمد الزينبي
لم يعد ما تعيشه جهة فاس–مكناس من اختلالات في إنجاز المشاريع العمومية وتدبير عدد من الملفات الاجتماعية مجرد ملاحظات معزولة أو شكايات فردية، بل أصبح واقعاً مقلقاً تؤكده تقارير جمعيات حقوقية ومدنية، وتلمسه الساكنة يومياً في طرق متدهورة، وبنايات هشة، ومشاريع استنزفت الملايير دون أثر تنموي حقيقي.
إن المطالب المتزايدة بتفعيل لجان المراقبة التابعة للعمالات والأقاليم والولاية، بما فيها لجان تتبع المشاريع، واللجان المكلفة بالبيئة، ولجان المراقبة المالية بمختلف تخصصاتها، وذلك بفتح تحقيقات نزيهة وجادة مع مدبري الجماعات الترابية، والمجالس الإقليمية ومجلس العمالتين بجهة فاس مكناس، ومجلس الجهة بجهة فاس مكناس، والغرف المهنية بالجهة، أبرزها الغرفة الجهوية للفلاحة بجهة فاس مكناس، وغرفة الصناعة التقليدية، وغرفة التجارة والصناعة والخدمات، حيث تصر الفعاليات المدنية والحقوقية على تحليها بالجرأة اللزمة لتقديم حصيلتها على مدى السنوات التي قضتها على راس هذه المؤسسات.
فكيف يعقل أن تُنجز طرق قروية لا تصمد أمام أولى التساقطات مطرية؟ وكيف يتم صرف ميزانيات ضخمة على مشاريع بنيوية، لتتحول بعد مدة قصيرة إلى عبء إضافي على الساكنة بدل أن تكون رافعة للتنمية؟ هذه الأسئلة لم تعد تطرح بدافع التشكيك، بل بدافع القلق المشروع على المال العام وعلى مستقبل التنمية بالجهة.
الأمر لا يتوقف عند البنية التحتية، بل يمتد إلى قطاعات حساسة تمس صحة المواطن وسلامته، كما هو الحال في عدد من وحدات عصر الزيتون التي تشتغل، حسب معطيات متداولة، بطرق مغشوشة وبمعدات متهالكة، في غياب مراقبة صارمة، ما يشكل خطراً حقيقياً على صحة المستهلكين، ويضرب مبدأ ربط الجودة بالمسؤولية.
الأخطر من ذلك، هو ما يثار حول طريقة تدبير بعض الملفات الاجتماعية والإدارية داخل عدد من العمالات، خاصة ملفات “الكريمات”، ورخص الثقة لسيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة، العقود المرتبطة بقطاع الطاكسيات، والمنح المدرسية، فهذه الملفات، التي يفترض أن تخضع لمعايير دقيقة وتكافؤ الفرص، أصبحت محل جدل واسع بسبب شكايات متكررة تتحدث عن غياب الشفافية، واستفادة فئات بعينها دون غيرها.
إن المنح المدرسية، على سبيل المثال، ليست امتيازاً سياسياً ولا ورقة للمساومة، بل حق اجتماعي موجه لأسر معوزة وتلاميذ في أمسّ الحاجة إليه، وأي تلاعب أو سوء تدبير في هذا المجال لا يمكن اعتباره مجرد خطأ إداري، بل مسّ مباشر بحقوق فئات هشة وضرب لمبدأ العدالة الاجتماعية.
وإذا أضفنا إلى ذلك تعثر المشاريع الفلاحية والتنموية الكبرى، صُرفت عليها أموال طائلة دون نتائج ملموسة، مشروع السقي الساهلة بإقليم تاونات نموذجا، فإن الصورة تصبح أكثر قتامة، وتفسر إلى حد كبير فقدان المواطن ثقته في عدد من المجالس المنتخبة والمؤسسات التدبيرية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي.
إن ما تعيشه جهة فاس–مكناس اليوم يفرض وقفة جادة ومسؤولة، ليس فقط عبر تبادل الاتهامات، بل من خلال فتح تحقيقات شفافة ومستقلة تشرف عليها الجهات المختصة، وعلى رأسها وزارة الداخلية والمفتشيات العامة لوزارة الداخلية، والمجلس الأعلى للحسابات، مع ترتيب الجزاءات القانونية في حق كل من ثبت تورطه في التلاعب بالمال العام، أو الإخلال بواجب المسؤولية، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.
لقد آن الأوان لوضع حد لثقافة الإفلات من العقاب، والانتقال من الشعارات إلى الفعل، عبر تفعيل حقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز المراقبة القبلية والبعدية، وتخليق الحياة الإدارية، وإشراك المجتمع المدني في تتبع وتقييم المشاريع.
فالتنمية ليست أرقاماً في تقارير، ولا ملايير تُصرف على الورق، بل أثر ملموس في حياة المواطن، وبدون حكامة حقيقية ومحاسبة صارمة، ستظل جهة فاس–مكناس تدور في حلقة مفرغة، يدفع ثمنها المواطن البسيط، ويُهدر فيها المال العام دون حسيب أو رقيب.











إرسال تعليق