معاصر الزيتون بإقليم تاونات: “حاميها حراميها” وجرائم بيئية تهدد الماء والحياة

  • بتاريخ : ديسمبر 20, 2025 - 11:48 ص
  • الزيارات : 99
  • متابعة: أحمد الزينبي

    يشهد إقليم تاونات في الآونة الأخيرة وضعًا بيئيًا بالغ الخطورة، نتيجة الاستمرار في رمي مخلفات معاصر الزيتون، المعروفة محليًا بـ“المرج”، داخل المجاري المائية والأودية، وفي مناطق متعددة، من بينها الخلالفة، وفناسة باب الحيط، ومرنيسة، وغفساي، وحوض ورغة. ويأتي ذلك في وقت يعاني فيه الإقليم أصلًا من خصاص حاد في مياه الشرب وتراجع مقلق في الموارد المائية.

    وقد جرى توثيق هذه الممارسات عبر فيديوهات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تقارير إعلامية أنجزها مراسلون صحفيون من عين المكان، كشفت عن عمليات تفريغ المرج مباشرة في الأودية دون أي احترام للمعايير البيئية أو القوانين الجاري بها العمل، وفي ظل غياب شبه تام لمراقبة السلطات المحلية ولجان التتبع والمراقبة.

    ويُعد “المرج” من أخطر النفايات الصناعية الناتجة عن معاصر الزيتون، نظرًا لاحتوائه على مواد عضوية سامة تؤدي إلى تلويث الفرشة المائية، وإفساد مياه الشرب والسقي، والقضاء على الكائنات الحية داخل الأودية، فضلًا عن انبعاث روائح كريهة، وما يترتب عنها من أضرار صحية مباشرة على الساكنة. وتتضاعف خطورة هذه الممارسات حين يتم التخلص من هذه النفايات داخل مجاري المياه التي يعتمد عليها المواطنون بشكل مباشر أو غير مباشر.

    والمثير للقلق، حسب ما يتم تداوله محليًا، أن أغلب أرباب معاصر الزيتون بإقليم تاونات هم سياسيون منهم  برلمانيون ورؤساء جماعات  ومجالس أخرى ، يُفترض فيهم تمثيل الساكنة والدفاع عن مصالحها، والسهر على حماية البيئة والموارد الطبيعية ، غير أن الواقع يكشف عن حالة “حاميها حراميها”، حيث يتحول المسؤول المفروض فيه تطبيق القانون إلى أول من يخرقه ويدوس عليه.

    ويطرح هذا الوضع علامات استفهام كبرى حول تضارب المصالح، خاصة أن هؤلاء المنتخبين يحضرون اللقاءات الرسمية المتعلقة بموضوع المرج والحفاظ على البيئة إلى جانب السلطات الإقليمية، دون أن ينعكس ذلك على أرض الواقع في شكل إجراءات زجرية أو حلول عملية.

    ورغم أن العدد الرسمي المصرح به لمعاصر الزيتون بالإقليم هو 86 وحدة إنتاجية، تؤكد المعطيات الميدانية أن هذا الرقم في الواقع مضاعف إلى مرتين أو ثلاث مرات، بسبب لجوء عدد من أصحاب المعاصر إلى التحايل عبر التوفر على مطحنتين أو ثلاث داخل المعصرة الواحدة، مع التصريح فقط بآلة واحدة.

    والأخطر من ذلك، أن بعض أصحاب المعاصر يصرحون بآلة طحن بطاقة 90 طنًا، في حين يتوفرون فعليًا على ثلاث آلات قادرة على طحن ما يصل إلى 720 طنًا خلال 24 ساعة، وهو ما يضاعف حجم إنتاج المرج بشكل كبير، دون أن تتوفر الأحواض المخصصة على أي قدرة استيعابية حقيقية.

    أما بخصوص الأحواض، فرغم توصيات السلطات بضرورة بنائها بالخرسانة المسلحة وفق معايير دقيقة، فإن العديد من المعاصر تلجأ إلى حفر عشوائية تُفرش فقط بـ“الميكة”، ويتم تفريغ المرج فيها، ما يؤدي إلى تسربه مباشرة إلى التربة والفرشة المائية، محدثًا كارثة بيئية حقيقية.

    ورغم قيام السلطات الإقليمية بتوفير صهاريج لتفريغ المرج بناءً على معطيات 86 وحدة إنتاجية، فإن الواقع يكشف أن العدد الحقيقي أكبر بكثير، ما يجعل هذه الأحواض غير كافية إطلاقًا، ويؤكد استحالة احترام المعايير البيئية في ظل هذا الخلل البنيوي في الإحصاء والمراقبة.

    إن غياب إحصاء دقيق وشامل لعدد آلات الطحن بكل معصرة، وليس فقط عدد المعاصر، يجعل كل التدابير المتخذة غير ذات جدوى، ويُبقي الإقليم رهينة نزيف بيئي متواصل.

    ورغم وضوح الخروقات وتعدد الأدلة المصورة، تسجل الساكنة والفعاليات المدنية غيابًا ملحوظًا لدور لجان المراقبة، وعدم تفعيل القوانين البيئية التي تنص على منع رمي النفايات الصناعية في الطبيعة، وإلزام المعاصر بإنشاء أحواض معالجة مطابقة للمعايير، وترتيب الجزاءات والغرامات في حق المخالفين، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول انتقائية المراقبة وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة.

    وأمام هذا الوضع، تطالب الساكنة والفعاليات الجمعوية والحقوقية بفتح تحقيق عاجل في ما تم توثيقه إعلاميًا، وإنجاز إحصاء شامل ودقيق لعدد معاصر الزيتون وعدد آلات الطحن بكل وحدة، وربط الطاقة الاستيعابية للأحواض بحجم الإنتاج الحقيقي، مع تفعيل دور لجان المراقبة دون تمييز، ومحاسبة كل المتورطين مهما كانت صفتهم، وإلزام المعاصر باحترام دفاتر التحملات البيئية، إضافة إلى إشراك المجتمع المدني والحقوقي في التتبع والمراقبة.

    الى ذلك فإن حماية البيئة ليست شعارًا يُرفع في اللقاءات الرسمية، بل ممارسة يومية ومسؤولية جماعية، تبدأ باحترام القانون وتنتهي بحماية حق المواطن في ماء نظيف وبيئة سليمة. وإقليم تاونات اليوم في أمسّ الحاجة إلى قرارات شجاعة تضع مصلحة الساكنة فوق كل اعتبار، وتنهي منطق الإفلات من العقاب في الجرائم البيئية.