بقلم : هشام اعبايبي
متى خلع سادة المنصّات ربطة عنقه وأوقف سيارته المظلَّلة، وقرّر أن يختبر الطريق بقدميه؟
متى كانت آخر مرة سار فيها مسؤول على جنبات طريق “الوحدة” ذاك الشريط الإسفلتي الممدود بين قلب تاونات ومدخلها الجنوبي، لا عابرًا خاطفًا خلف زجاجٍ داكن، بل ماشيًا على مهل، يصادق الحفر، و يداعب الفخاخ ، ويصافح الأرصفة المكسورة، إلا عند الحملات الانتخابية؟
لا، الطريق ليس الأسوأ على خارطة الإهمال، لكنه من تلك الطرق التي لا تبوح بسرّها إلا لمن يلمسها بقدمه. طريق يحتاج إلى باطن حذاء، لا إلى إطارٍ مطاطيّ فاخر، كي يُفهم. يحتاج إلى عثرةٍ صغيرة، أو التفافٍ مفاجئ هربًا من حفرة، ليكشف حجم ما يعانيه المواطن الذي يعبره كل يوم، لا طلبًا للمغامرة، بل بحثًا عن لقمة عيش.
هؤلاء، بطبيعة الحال، لا يعرفون هذا الطريق. يعرفون فقط نسخته المختصرة: مسافة تُقطع في دقائق، داخل مركبات رسمية مُكيَّفة ومعزولة، تتكفّل بعزلهم عن غبار الواقع ونتوءاته. تمرّ الحفر من تحتهم كأنها شائعات، وتختفي الأرصفة المكسورة كما يختفي خطاب المواسم الانتخابية. لا شيء يزعج الرحلة سوى زحام عابر، يُحلّ بإشارة من السائق.
أما نحن، أبناء المشي اليومي، فنحفظ الطريق حجرًا حجرًا. نعرف أي حفرة تتربّص بالقدم اليسرى، وأي رصيف خانع سيدفعك قسرًا إلى وسط الطريق، حيث تتقاسم المساحة مع السيارات. المشي هنا ليس تنزّهًا، بل تمرين يومي على النجاة. كل خطوة حساب، وكل عثرة احتمال سقوط، والطريق يبتلعنا ببطء، بلا اعتذار.
هل سمع القائمون على الخطاب العام عن الأرصفة التي لم تكتمل؟
هل يعرفون معنى أن تسير محاذيًا للإسفلت، تراقب السيارات بعين، وتراقب الأرض بالعين الأخرى؟
هل جرّبوا يومًا أن تصل إلى وجهتك منهكًا، لا من طول المسافة، بل من قسوة الطريق؟
طريق الوحدة، اسمه أكبر من واقعه. لم يكن يومًا جسرًا بين المواطن والمسؤول. هو، في أفضل أحواله، وحدة بين المشاة والحفر، تحالف غير معلن ضد الإهمال. أما أولئك، فهم خارج هذه الوحدة، لأنهم لا يسيرون هنا، ولا يرون، ولا يشعرون.
ولو مشوا…
لتغيرت رؤيتهم و تغيّر الطريق











إرسال تعليق