من صناديق الاقتراع إلى شبكات المصالح: تحقيق في هيمنة العائلات السياسية على المجالس المنتخبة بجهة فاس مكناس وتعطيل مسار التنمية

  • بتاريخ : ديسمبر 14, 2025 - 12:11 م
  • الزيارات : 54
  • متابعة : احمد الزينبي

    تعرف جهة فاس مكناس منذ سنوات نقاشاً عمومياً متصاعداً حول واقع التدبير السياسي المحلي، في ظل استمرار حضور عائلات سياسية بعينها عمرت طويلاً في تسيير الجماعات الترابية والمجالس الإقليمية والجهوية، هذا الواقع بات يثير تساؤلات عميقة لدى الرأي العام حول مدى تأثير هيمنة هذه الشبكات العائلية والسياسية على مسار التنمية بالجهة، وحول أسباب تعثر عدد من المشاريع التنموية رغم الإمكانيات المتوفرة.

    فحسب ما يتداوله فاعلون مدنيون ومواطنون، راكمت بعض العائلات السياسية نفوذاً كبيراً داخل المؤسسات المنتخبة، ونجحت في التحكم في دواليب التسيير المحلي عبر آليات متعددة، من بينها إعادة إنتاج نفس الوجوه في مواقع القرار، أو منح التزكيات الانتخابية لأقاربهم أو لأشخاص تجمعهم بهم مصالح مهنية وتجارية مشتركة، ما أفرغ في نظر كثيرين مبدأ التداول الديمقراطي من مضمونه.

    ويشير متتبعون للشأن المحلي إلى أن عدداً من الحملات الانتخابية بالجهة، اعتمدت خلال الاستحقاقات السابقة، على دعم رجال أعمال ومقاولات تُثار حول مصادر أموالهم الكثير من علامات الاستفهام، مقابل وعود أو شراكات مستقبلية في مشاريع عمومية ، هذا المعطى يطرح إشكالية تضارب المصالح ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، ويؤثر سلباً على نزاهة العملية الانتخابية.

    كما تتحدث مصادر محلية عن توظيف المال الانتخابي بطرق ملتوية، واستعمال شبكات من العلاقات العائلية والاقتصادية، للتحكم في نتائج اللعبة الانتخابية، الأمر الذي ساهم حسب فاعلين جمعويين وحقوقيين، في فقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات المنتخبة، وعزوف فئات واسعة عن المشاركة السياسية، وتتم هذه العمليات الدنيئة بتواطؤ تام مع شبكة منظمة تضم مقاولين، ورؤساء المصالح التقنية بالجماعات وعمالات الأقاليم، وسماسرة متمرسين في طرق وعمليات نهب المال العام، هذا ودون إغفال تورط بعض مكاتب الدراسات، والمختبرات المكلفة بتتبع الاشغال، ناهيك عن اللجان المختلطة المكلفة بالتسليم المؤقت والنهائي للمشاريع.

    ومن بين أكثر النقاط التي تثير استياء الساكنة، ما يتم تداوله حول تضخم ثروات بعض المنتخبين وأفراد من عائلاتهم، واستثمارها في مشاريع خارج جهة فاس مكناس، في وقت تعاني فيه الجهة من خصاص واضح في البنيات التحتية، وفرص الشغل، والخدمات الأساسية، خاصة في العالم القروي والمناطق الهامشية، ويرى متتبعون للشأن المحلي على مستوى جهة فاس مكناس، تغول مثير لبعض السياسيين المتحكمين في اللعبة، وذلك ببسط نفوذهم على ابرز المؤسسات بالجهة، من جماعات ومجالس إقليمية، وجهة، فضلا عن بسط نفوذهم على بعض الوكالات، (وكالة حوض سبو نموذجا) حيث ساهم هذا الوضع في تعطيل التنمية الحقيقية، وتحويل العمل السياسي من خدمة للصالح العام إلى وسيلة لتحقيق مصالح خاصة، مع مراكمة تروة هائلة بدون حسيب أو رقيب.

    وفي سياق متصل، تشهد عدة مدن مغربية، خلال الأسابيع الأخيرة، تحركات أمنية وُصفت بغير المسبوقة، بعدما شرعت الفرق الجهوية للشرطة القضائية، بناءً على تعليمات صادرة عن شعب غسل الأموال، في تنفيذ إجراءات الحجز التحفظي على ممتلكات منتخبين محليين وأقاربهم، على خلفية ملفات معروضة أمام غرف جرائم الأموال بمحاكم الاستئناف.

    وتفيد معطيات متطابقة، بأن هذه الإجراءات تندرج ضمن مرحلة جديدة من تشديد الرقابة على الإثراء غير المشروع، بعد رصد مؤشرات قوية على تحويل أموال عمومية نحو مشاريع خاصة، عبر شركات وواجهات تجارية يُشتبه في استخدامها لتبييض المال العام، وتشمل الشبهات قطاعات مرتبطة بالتدبير الجماعي، مثل النظافة، والحراسة، وصيانة الحدائق، وكراء السيارات، إضافة إلى مشاريع أخرى من قبيل المقاهٍي وشركات خدماتية ومقالع.

    وحسب مصادر مطلعة، كشفت التحقيقات عن تحولات مفاجئة في حجم ثروات بعض المنتخبين الذين تعاقبوا على تسيير جماعات كبرى، وهي تحولات لا تنسجم مع مداخيلهم القانونية المصرح بها، ما عزز الشبهات ودفع إلى تسريع مساطر البحث والحجز، في احترام تام لاستقلالية القضاء وقرينة البراءة،

    وتعتمد المصالح المختصة على تتبع دقيق لمسار المال العام، من خلال تقاطع معطيات الصفقات العمومية، والتحويلات البنكية، وسجلات المحافظة العقارية، وحسابا شخصية لأقارب المتورطين، بتنسيق مع المجالس الجهوية للحسابات وهيئات المراقبة المالية، وذلك في إطار تفعيل مقتضيات قانون مكافحة غسل الأموال، الذي يجرّم تمويه مصدر الأموال المختلسة، وإدماجها في الدورة الاقتصادية.

    وفي هذا الإطار، تعالت أصوات عديدة بجهة فاس مكناس تطالب وزارة الداخلية، ومؤسسات الرقابة المالية، بتفعيل صلاحياتها الدستورية والقانونية، واتخاذ إجراءات حازمة لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النزيه، من خلال إبعاد من ثبت تورطهم في اختلالات تدبيرية أو تحوم حولهم شبهات فساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة دون انتقائية.

    ويرى متابعون أن جهة فاس مكناس، بما تزخر به من مؤهلات تاريخية وبشرية واقتصادية، تحتاج اليوم إلى نفس جديد، وإلى نخب سياسية كفؤة ونزيهة، قادرة على القطع مع ممارسات الماضي، والانخراط الجاد في مشروع تنموي حقيقي يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.

    ويبقى الأمل معقوداً على تفعيل آليات الحكامة الجيدة، وتشجيع المشاركة السياسية النظيفة، وفتح المجال أمام كفاءات شابة ومستقلة، قادرة على إعادة الثقة للمواطنات والمواطنين في المؤسسات المنتخبة، وبناء مستقبل أفضل لجهة فاس مكناس.