فاجعة انهيار عمارتين بحي المسيرة بفاس: بين هول المأساة، نجاعة التدخل، وجدلية المسؤولية

  • بتاريخ : ديسمبر 13, 2025 - 1:12 م
  • الزيارات : 88
  • متابعة: أحمد الزينبي

    خلّفت فاجعة انهيار عمارتين سكنيتين بحي المسيرة بمدينة فاس صدمة عميقة في نفوس الساكنة المحلية والرأي العام الوطني، لما أسفرت عنه من خسائر بشرية وآثار نفسية وإنسانية جسيمة، أعادت إلى الواجهة إشكالية السلامة العمرانية، وتدبير المباني الآيلة للسقوط، وحدود المسؤولية المشتركة بين مختلف المتدخلين.

    وأمام هذا المصاب الجلل، فإن أول ما يفرض نفسه هو التعبير عن أصدق عبارات التعازي والمواساة لأسر الضحايا، والدعاء بالشفاء العاجل للمصابين، مع التأكيد على أن هذه الفاجعة تركت أثراً بالغاً في وجدان الفاسيين، وامتد صداها إلى عموم المغاربة، لما تحمله من دلالات إنسانية واجتماعية مؤلمة.

    وعلى المستوى الميداني، أفادت مصادر مسؤولة أن وحدة إزالة الأنقاض التي تدخلت في الحادث تتبع للقيادة الجهوية للوقاية المدنية بفاس، حيث جرى تعبئتها فور وقوع الانهيار، وقد باشرت هذه الوحدة، بصفتها قوة متخصصة، عمليات البحث والإنقاذ وتأمين محيط الحادث ورفع الكتل الإسمنتية باستخدام تجهيزاتها التقنية، مع احترام شروط السلامة المعمول بها، كما تم التنسيق بشكل متواصل مع مختلف المصالح المعنية، خاصة فرق الإسعاف التي تولّت نقل المصابين إلى المستشفى الجامعي، في تدخل متكامل يعكس درجة الجاهزية والنجاعة في تدبير حالات الطوارئ الكبرى.

    وبموازاة ذلك، واصلت السلطات المحلية والأمنية تتبع تطورات الحادث وتداعياته، من خلال حصر الخسائر البشرية والمادية، واتخاذ التدابير الاستعجالية لمواكبة المتضررين. وفي هذا السياق، باشرت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة وبتعليمات من الوكيل العام للملك، الأبحاث الميدانية وجمع المعطيات التقنية والقانونية اللازمة، من أجل تحديد ظروف وملابسات الانهيار وترتيب المسؤوليات، مع التأكيد على أن كل من ثبت تورطه، بشكل مباشر أو غير مباشر، سيخضع للمساءلة وفق ما يقتضيه القانون.

    وفي إطار التفاعل السريع مع هذه الفاجعة، انتقل إلى عين المكان السيد والي جهة فاس-مكناس، عامل عمالة فاس، السيد خالد آيت الطالب، حيث أشرف ميدانياً على تتبع عمليات الإنقاذ والإغاثة، واطّلع عن كثب على ظروف التدخل ومجريات الوضع. وقد أعطى السيد الوالي تعليماته الصارمة لمختلف المصالح المعنية من أجل تسريع وتيرة التدخل، وضمان التكفل الفوري بالضحايا، وتأمين محيط الحادث، إلى جانب اتخاذ كل الإجراءات الاستعجالية الكفيلة بالحفاظ على سلامة الساكنة، كما شدّد على ضرورة التعامل بصرامة مع ملف المباني الآيلة للسقوط، وعدم التهاون في تطبيق القوانين الجاري بها العمل، تفادياً لتكرار مثل هذه الحوادث المأساوية.

    ومن جانبها، عبّأت مصالح الصحة أطرها الطبية والتمريضية، حيث جرى التكفل بالمصابين وتقديم العلاجات الضرورية داخل المستشفى الجامعي، مع تتبع حالتهم الصحية بحسب خطورة الإصابات، كما تم تسجيل حضور يومي ومتواصل لمصالح الأمن والسلطة المحلية إلى جانب الضحايا وأسرهم، لمواكبة تطورات الوضع وتقديم الدعم الإداري والإنساني اللازم.

    وفي سياق التفاعل الميداني مع هذه الفاجعة، انتقل إلى عين المكان فريق حقوقي وإعلامي تابع للجمعية المغربية للكرامة وحقوق الإنسان وحماية المال العام بالمغرب، وذلك في إطار القيام بمهامه التتبعية والرقابية. وقد هدف هذا الانتقال إلى تقييم الوضع عن كثب، والوقوف على حقيقة ما جرى، وكيفية تدبير وتفاعل مختلف المتدخلين مع الحادث. وخلال هذه الزيارة الميدانية، قام الفريق برصد مجموعة من الملاحظات وتشخيص أولي للحالة الإنسانية للمتضررين، خاصة ما يتعلق بظروف الأسر التي فقدت مساكنها، وحاجياتها الآنية في مجالات الإيواء، والدعم النفسي، والمواكبة الاجتماعية والإدارية، إلى جانب الاستماع لشهادات بعض المتضررين وساكنة الحي، في أفق إعداد تقرير حقوقي يوثق للوقائع ويرصد مكامن الخلل ويقترح توصيات عملية كفيلة بصون كرامة الضحايا وتعزيز الحق في السكن الآمن.

    وفي خطوة مهمة لتعزيز السلامة، عاينت عناصر المختبر العمومي للتجارب والدراسات سبع عمارات مجاورة لمكان الحادث، وقد تم إخلاؤها فوراً من السكان لتفادي أي مخاطر إضافية، مع التشديد على ضرورة تدعيمها من طرف المقاول المسؤول لضمان استقرار المباني وسلامة الساكنة.

    غير أن هذه الفاجعة لم تخلُ من تفاعلات متباينة على مستوى الفضاء الرقمي، حيث تداولت بعض الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي معطيات وتأويلات لا ترتبط بالوقائع الثابتة للحادث، في مقابل توجه صفحات أخرى نحو تحميل المسؤولية بشكل مباشر لبعض المنتخبين أو رجال السلطة، أو توظيف الحدث في سياق حسابات سياسية ضيقة، في محاولة للركوب على المأساة واستثمارها خارج منطق التحليل الموضوعي والمسؤول.

    وفي هذا السياق، يرى عدد من المتابعين أن المسؤولية في مثل هذه الحوادث تظل مسؤولية مركّبة ومشتركة، تتداخل فيها أدوار عدة أطراف، من بينها المنتخبون، والسلطات المحلية، والمصالح التقنية، إلى جانب المواطنين أنفسهم، خاصة في ما يتعلق بالسكن في بنايات قديمة أو متضررة، أو إجراء تعديلات غير مرخّصة قد تضعف سلامة المباني. وهو ما يستدعي مقاربة شمولية، بعيدة عن منطق الاتهام الأحادي، وقائمة على التقييم الموضوعي والبحث عن حلول مستدامة.

    وبحسب مصادر من الساكنة المتضررة، فإن الأسر التي فقدت مساكنها نتيجة هذا الانهيار ستبحث، بتنسيق مع السلطات المعنية، عن حلول بديلة لإيوائها في منازل أخرى، في انتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيق، والإجراءات التي ستُتخذ في إطار برامج إعادة الإسكان أو الدعم الاجتماعي.

    إن فاجعة انهيار عمارتين بحي المسيرة لا ينبغي أن تُختزل في حدث عابر، ولا أن تُستغل سياسياً أو إعلامياً، بقدر ما تفرض وقفة تقييم جادة لسياسات التعمير، ومراقبة البنايات الآيلة للسقوط، وتعزيز آليات الوقاية والاستباق، حفاظاً على أرواح المواطنين وصوناً لحقهم في السكن الآمن. فالمآسي، مهما كانت قسوتها، يمكن أن تشكّل منطلقاً لإصلاح حقيقي، إذا ما جرى التعامل معها بروح المسؤولية، والصرامة، والإنصاف، والاحترام الواجب لآلام الضحايا.